فينود كومار
أكّدت زيارة وزير التجارة والصناعة بيوش غُويال إلى المملكة العربية السعودية في الفترة من 29 إلى 30 أكتوبر على التقدم الكبير في العلاقات الهندية السعودية، وهي شراكة ليست غنية بالتاريخ فحسب، بل إنها تحمل إمكانات هائلة للمستقبل. وشارك غويال في النسخة الثامنة من مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، وهو تجمع جمع القادة والمستثمرين والمفكرين من جميع أنحاء العالم.
وتتمتع الهند والمملكة العربية السعودية بتاريخ طويل من العلاقات الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية العميقة، والتي تعزّزت في العقود الأخيرة من خلال التبادلات رفيعة المستوى والاتفاقيات الثنائية. ويلتزم البلدان بعلاقة تستفيد من نقاط القوة الخاصة بكل منهما. وقد أرست مبادرات مثل إعلان دلهي في عام 2006م وإعلان الرياض في عام 2010م الأساس للتعاون، وخاصة في مجال الطاقة. وفي السنوات التي تلت ذلك، عزّزت الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هذه الروابط، مما أدّى إلى تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجية في عام 2019م.
ويؤدي مجلس الشراكة الاستراتيجية هذا دورًا فعّالاً في الإشراف على المبادرات المشتركة. ويتناول هذا المجلس الطيف الكامل من التعاون، من التجارة والاستثمار إلى التبادلات الثقافية والسياسية. ويدير الجناح الاقتصادي للمجلس، الذي يترأسه وزير التجارة الهندي ووزير الطاقة السعودي، أربع مجموعات عمل مشتركة تركّز على مجالات حيوية مثل الصناعة والبنية التحتية والزراعة.
وفي السنة المالية 2023-2024م، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الخامسة كأكبر شريك تجاري للهند. وبلغ حجم التجارة الثنائية ما يقرب من 43 مليار دولار أمريكي، حيث تستورد الهند بشكل رئيس النفط الخام والبتروكيماويات، بينما تصدِّر السلع الهندسية والمنسوجات والمنتجات الغذائية. وتعد أهمية السعودية كمزود للطاقة أمرًا حيويًا، حيث توفر 14 في المئة من واردات الهند من النفط الخام. ولكن، إلى جانب النفط، تستكشف الدولتان الآن الطاقة المتجددة، مع مصالح مشتركة في تكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين كجزء من أهدافهما لتحقيق مستقبل مستدام للطاقة.
وفي مجال الاستثمار، حقّقت الشركات الهندية حضورًا بارزًا في المملكة العربية السعودية. وتشارك شركات مثل لارسن آند توبرو (L&T)، وتاتا، وتاتا للخدمات الاستشارية في مشاريع متنوعة تشمل البناء، وتكنولوجيا المعلومات، والتمويل، مما يمثل استثمارات هندية في المملكة تقدر بحوالي 3 مليارات دولار أمريكي.
ومن ناحية أخرى، تهتم المملكة العربية السعودية بشكل متزايد بالسوق الهندية، حيث يساهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي في شركات هندية بارزة مثل ريلاينس جيو ويستثمر في مختلف قطاعات الشركات الناشئة. ويجسد هذا الاستثمار المتبادل الثقة والتآزر الاقتصادي بين البلدين.
تتوافق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بشكل وثيق مع طموحات الهند التنموية، مما يوفر العديد من مجالات الفرص التعاونية. ويُعَدُّ الأمن الغذائي أحد هذه المجالات، حيث استثمرت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) في صناعة الأرز الهندية، مما يضمن سلسلة توريد موثوقة للمنتجات الغذائية الأساسية. وتنظر المملكة إلى الهند كمصدر رئيس للسلع مثل الأرز واللحوم الحمراء والمأكولات البحرية، مما يعزّز التجارة الزراعية المتبادلة بين البلدين.
وتمتد الشراكة أيضًا إلى مجالات مثل الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والدفاع. وقد أثبتت صناعة الأدوية القوية في الهند قيمتها بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، وخاصة أثناء الجائحة، والآن يستكشف البلدان تعاونات جديدة في مجال التكنولوجيا الحيوية. وفي مجال التكنولوجيا، تكمل خبرة الهند في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني تطلعات المملكة العربية السعودية لبناء اقتصاد قائم على المعرفة في ظل رؤية 2030.
وكانت زيارة الوزير غُويال فرصة لتسليط الضوء على النجاح المستمر الذي حقّقه منتدى الاستثمار الهندي-السعودي، وهو الحدث الذي شهد توقيع أكثر من 50 اتفاقية في مختلف الصناعات. ويشير إعلان المملكة العربية السعودية عن إنشاء مكتب استثماري في الهند إلى التزامها بتواجد طويل الأمد، وتعزيز التعاون المباشر بين الشركات في كلا البلدين.
بينما تواصل كل من الهند والمملكة العربية السعودية التكيف مع التحولات الاقتصادية العالمية، أثبتت شراكتهما مرونتها وتوسعت لتتجاوز الصناعات التقليدية. تلتزم الدولتان باستكشاف قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، وتصنيع الدفاع- وتعمل الهند والمملكة العربية السعودية على بناء محفظة متنوعة من المشاريع التعاونية. وتمثل زيارة الوزير غويال استمرارًا للرؤية المشتركة لتحقيق الرخاء، ليس فقط للبلدين، بل أيضًا للاقتصاد العالمي الأوسع.
اقرأ أيضًا: شيخ الجامعة الملية الإسلامية وإمام المسجد النبوي يبحثان مناشط الجامعةِ العلميةَ المختلفة
ومع تطلعنا إلى المستقبل، يتضح أن الشراكة الاقتصادية والتجارية بين الهند والمملكة العربية السعودية تحمل وعدًا بالنمو والابتكار والاحترام المتبادل. وتجسد هذه العلاقة المتطورة روح التعاون في عالم مترابط.