د. محمد مدثر قمر: نيو دلهي
كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الهند في سبتمبر 2023م لافتة للنظر لعدة أسباب. كانت هذه هي الزيارة الثانية التي قام بها ولي العهد إلى الهند والأولى بعد أن واجه العالم التأثير المدمر لأزمة الرعاية الصحية العالمية الناجمة عن كوفيد-19. وقد اقترنت زيارة الدولة بمشاركته في قمة مجموعة العشرين. وعقد الزعيم السعودي محادثات على مستوى الوفود مع نظيره الهندي رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من عضوَين في مجموعة العشرين (العضو الآخر تركيا) من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وباعتبارها أكبر اقتصاد إقليمي، فإنها تتمتع بمكانة خاصة في التواصل الاستراتيجي للهند تجاه المنطقة.
وعزّزت الهند والمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة ارتباطاتهما الدبلوماسية والسياسية من أجل تعزيز العلاقات التجارية والتجارية والاستثمارية والأمنية والدفاعية. وركّزت الزيارة الأخيرة لولي العهد محمد بن سلمان على المداولات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وتقييم التقدم المحرز في مجلس الشراكة الاستراتيجية الذي تم إطلاقه خلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الرياض في أكتوبر 2019م. واكتسبت الزيارة أهمية في سياق الإعلان التاريخي خلال قمة مجموعة العشرين عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا باعتباره ممر نقل متعدد الوسائط لتعزيز الاتصال والتجارة بين المناطق الثلاث بالشراكة مع الولايات المتحدة ومجموعة السبع من خلال الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار.
بدأت زيارة الدولة في 11 سبتمبر 2023م بإقامة مراسم استقبال رسمية لولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان في القصر الرئاسي، قبل انعقاد الاجتماع رفيع المستوى مع رئيس الوزراء مودي. ورافق ولي العهد السعودي وفد وزاري وتجاري كبير. واستعرض الزعيمان خلال لقائهما التقدم الذي أحرزته العلاقات الثنائية، وشاركا في رئاسة اجتماع القادة الأول لمجلس الشراكة الاستراتيجية بما في ذلك لجنتينه الوزاريتين، وهما لجنة التعاون السياسي والأمني والاجتماعي والثقافي، ولجنة التعاون الاقتصادي والاستثماري.
ومن بين القضايا التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مثل الطاقة والدفاع والأمن والنقل والرعاية الصحية والتعليم والتكنولوجيا والسياحة والتعاون الثقافي وكذلك في مجال الفضاء وأشباه الموصلات. وعلاوة على ذلك، ناقش الجانبان تعزيز التعاون المؤسسي في قطاعات الشركات الناشئة والتكنولوجيا المالية مع الاتفاق على استكشاف إمكانيات الربط بين شبكات الكهرباء. واستكشفت المناقشة أيضًا إمكانيات التداول بالعملات المحلية وتسريع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وتم التوقيع على ثماني اتفاقيات خلال الزيارة، بما في ذلك تطوير شراكة شاملة في مجال الطاقة. وتتمتع الهند والمملكة العربية السعودية بتعاون ثنائي قوي في قطاع الطاقة. وتعد المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر موردي النفط للهند، والهدف من شراكة الطاقة الشاملة هو تطوير آلية تعاون متبادلة المنفعة في قطاع الطاقة من أجل مستقبل أكثر خضرة واستدامة، مع استكشاف الربط بين شبكات الكهرباء والغاز واتصال الألياف الضوئية تحت سطح البحر. وتهدف مذكرة التفاهم إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والهيدروجين والكهرباء والربط بين الشبكات وكذلك النفط والغاز الطبيعي والاحتياطيات البترولية الاستراتيجية وأمن الطاقة. وناقش الجانبان واتفقا على التنفيذ المبكر لمشاريع المصفاة على الساحل الغربي التي أطلقها في عام 2017م اتحاد يضم ثلاث شركات نفط وطنية هندية بالشراكة مع أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).
ومن بين القرارات المهمة الأخرى التي تم اتخاذها خلال المداولات بين مودي ومحمد بن سلمان، تشكيل فريق عمل مشترك لإيجاد طرق لتسريع خطة الاستثمار السعودية في الهند بقيمة 100 مليار دولار، والتي تم الإعلان عنها لأول مرة في فبراير 2019م. وتم التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما اتفق البلدان على استكشاف فرص التعاون في قطاع تحلية المياه.
ويعد التعاون الدفاعي والأمني مجالًا آخر حيث عززت الهند والمملكة العربية السعودية التعاون بشكل كبير في السنوات الأخيرة، كما قام الجانبان بتعزيز الارتباطات العسكرية من خلال التدريبات المشتركة والزيارات الثنائية المنتظمة والاجتماعات بين القادة العسكريين. كما يستكشف الجانبان فرص التعاون في مجال التصنيع الدفاعي. وعلاوة على ذلك، التقى مستشارا الأمن القومي على فترات منتظمة، وهناك تبادل أكبر للاستخبارات بين البلدين نحو التعاون في مكافحة الإرهاب والشراكة في مكافحة التطرف ومكافحة الجريمة المنظمة ومنع تمويل الإرهاب.
وخلال المداولات بين مودي ومحمد بن سلمان، أكدت الهند والمملكة العربية السعودية مجددًا التزامهما بتحقيق تعاون ثنائي أكبر في مجال التعليم من خلال تطوير العلاقات بين مختلف الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وكذلك من خلال برامج تبادل الطلاب والمشاريع البحثية المشتركة. وكانت الرعاية الصحية والسياحة والثقافة من المجالات الأخرى حيث اتفق الجانبان على تعزيز التعاون بما في ذلك من خلال برامج تنمية المهارات المشتركة وصناعة الأفلام المشتركة.
وتم تنظيم منتدى استثماري بمشاركة أكثر من 500 شركة من المملكة العربية السعودية على هامش زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالشراكة مع وزارة الاستثمار السعودية واستثمر في الهند واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية مع التركيز على المواضيع مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وريادة الأعمال، والمواد الكيميائية والأسمدة، والأمن الغذائي، والتصنيع المتقدم، والطاقة والاستدامة. وبحسب ما ورد، تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين الشركات الخاصة بشأن الاستثمارات والتعاون التجاري خلال منتدى الاستثمار.
وتعد المملكة العربية السعودية أحد الشركاء العالميين الرائدين للهند. وترتكز الشراكة الثنائية على الرؤى المشتركة للعالم والرؤى المتقاربة للقيادة بشأن تحقيق الرخاء والاستقرار لشعوب البلدين. ومع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، عملت الهند في عهد رئيس الوزراء مودي على تحقيق إصلاحات مالية وتنظيمية سريعة لتعزيز جاذبية الهند كمركز تجاري عالمي، وقد أظهر ذلك نتائج من خلال تحقيق البلاد نموًا اقتصاديًا سريعًا. واتخذت المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان أيضًا إجراءات استثنائية لإدخال إصلاحات اقتصادية واجتماعية في إطار برنامج رؤية 2030 من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة وإحداث تغييرات هائلة في تحسين التجارة والأعمال والظروف الاجتماعية والاقتصادية في المملكة. وقد أدّى ذلك إلى ظهور المملكة العربية السعودية كواحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم. ومن هنا فإن هناك جاذبية طبيعية في تطوير الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وأكّدت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومشاركته في قمة مجموعة العشرين، على التقارب المتزايد بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الهندية والسعودية، مما يعزز العلاقات الثنائية القوية بالفعل. وإنها تحمل وعودًا هائلةً للمستقبل حيث تتطلع الهند والمملكة العربية السعودية إلى السعي إلى مستقبل مشترك من الرخاء والاستقرار لمواطنيهما.
د. محمد مدثر قمر هو أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط بجامعة جواهر لال نهرو في نيو دلهي