العلاقات التاريخية بين جمهورية الهند ودولة الكويت

24-06-2024  آخر تحديث   | 24-06-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | Prof. Rizwanur Rahman 
العلاقات التاريخية بين جمهورية الهند ودولة الكويت
العلاقات التاريخية بين جمهورية الهند ودولة الكويت

 

أ.د. رضوان الرحمن

دولة الكويت من الدول الشقيقة للهند التي تستمر تاريخ علاقاتها المتبادلة مع الهند منذ القدم. وقد تناول هذا الموضوع كثير من المؤرخين من الهند والعالم العربي، وتوجد هناك مؤلفات تقدّم ملامح واضحة الرؤى عن حقيقة العلاقات بين البلدين، وتطورها في مسارات مختلفة، وكذلك تأثيرها في عادات أهل البلاد، ولا سيما في مجالات المعرفة والفنون وكثير من طرق الحياة العامة الأخرى. وتعززت هذه العلاقات بالتزام حكام البلدين الذين شدّدوا على ضرورة بناء العلاقات على أسس متينة تساهم في رخاء البلدين. ولكن الجالية الهندية في الكويت لها أكبر دور في تعزيز هذه العلاقات التاريخية بين جمهورية الهند ودولة الكويت، وهي من طموحات سكان البلدين أن تستمر هذه العلاقات القائمة على التفاهم المتبادل والصداقة المتينة.

ويرجع تاريخ العلاقات بين الهند والكويت إلى زمن بدأ العرب فيه يزاولون التجارة في شبه القارة الهندية، فكانوا ينزلون على سواحل الهند بغرض التجارة في الأحجار الكريمة والعود وخشب الصندل والساج والتوابل التي كانت لها شعبية كبيرة في الجزيرة العربية وأوروبا. وكانت لخشب الساج الهندي شعبية كبيرة آنذاك لأنه كان يستخدم في بناء المنازل والسفن في جميع أرجاء العالم ولا سيما في البلدان العربية بما فيها دولة الكويت.

وكان سكان الكويت في قديم الزمان يمتهنون أعمال الغوص لجمع اللؤلؤ وبناء السفن وصيد الأسماك والتجارة البحرية بين الهند وشبه الجزيرة العربية، إذ كانوا يقومون بتصنيع السفن الشراعية بالخشب الهندي، كما كان يتم تصنيع أشرعة هذه السفن من قماش قطني سميك مستورد من الهند أيضًا، وكان تجار الكويت يبحرون بتلك السفن إلى الهند وما جاورها من بلدان، بغرض نقل البضائع من وإلى تلك البلاد، وفي ذلك الزمن كانت التجارة على قدم وساق في مختلف المجالات مثل التوابل والخشب والفرس والتمور والشاي وأنواع من المواد الإنشائية مثل البامبو الذي كان يستخدم لبناء أسقف المنازل. وكان التجار الكويتيون يبيعون بضائعهم في موانئ الساحل الغربي للهند مثل بومباي وسورت وبوربندر وغيرها من الموانئ، كما كان يتم تنظيف سفنهم وتجهيزها لرحلة العودة إلى الكويت. ويوجد بين أهل الكويت المثل الذي شاع منذ قديم الزمان وتداولوه للدلالة على ما تمثله الهند بالنسبة إليهم. ويقول المثل: "الهند هندك إذا قلّ ما عندك" أي يجب أن تكون الهند هي مقصدك لو ساءت أحوالك، فمن طريقها تحصل على الثروة والمال، ولذلك كانت الهند دائمًا مقصد تجار الكويت.

ودخلت بريطانيا إلى الجزيرة العربية أيضًا في عام 1612م. واحتلت بعض المناطق العربية حتى بدأ النفوذ البريطاني يزداد يومًا فيومًا في المنطقة إذ طلب حكام مدينة الكويت الحماية البريطانية من القوات الخارجية، فوافقت بريطانيا على توفير الحماية بموجب معاهدة بين البلدين في عام 1899م. وحصلت بريطانيا السيطرة على سياسة الكويت الخارجية، وزاد النفوذ البريطاني سياسيًا في دولة الكويت حتى دخلت الكويت إلى الاستعمار البريطاني. والآن كان جميع البلدان والمناطق ذات الاحتلال البريطاني تحت إدارة واحدة تستخدم الوسائل الرسمية نفسها في هذه البلدان المحتلة، فكانت تستخدم كل من الهند والكويت نفس الوثائق والوسائل الرسمية والعملة الهندية. وكانت العملات الهندية تتداول كعملة رسمية في بعض بلدان العالم مثل سنغافورة وماليزيا وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت، وأما دولة الكويت فإنها كانت تستخدم العملة الهندية كعملة رسمية حتى عام 1961م. وافتتح أول مكتب بريد في الكويت، في عام 1915م، حيث تم استخدام طوابع البريد الهندية. وفي البداية كانت المطابع الهندية تصدر طوابع البريد الهندية باسم الكويت ولكن توقف استخدامها في الكويت في عام 1948م.

وحصلت دولة الكويت على استقلالها في عام 1961م، فكانت الهند من الدول الخمس الأولى في العالم التي اعترفت باستقلالها، ولذلك كانت دولة الكويت من أوائل البلدان التي وقفت إلى جانب الهند خلال الحرب بين الهند والصين. وتأسست العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الهند ودولة الكويت في عام 1962م، وفتحت الهند سفارتها في دولة الكويت في العام نفسه كما فُتحت السفارة الكويتية في الهند عام 1964م، وقام ولي العهد الكويتي آنذاك بزيارة إلى الهند بهذه المناسبة. ومنذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، شهدت العلاقات الهندية-الكويتية ازدهارًا متزايدًا حتى أصبحت مدينة مومباي مركزًا كان يتوافد إليه رجال الأعمال الكويتيون خلال فترة الخمسينيات والستينيات، ويُذكر أنه كان لأمير الكويت منزل خاص به أيضًا في منطقة مومباي الساحلية خلال تلك الفترة.

ومنذ اكتشاف البترول في منطقة الخليج العربي بما فيها دولة الكويت، زادت أهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية عبر العالم، وبدأت الكويت استثمار عائداتها في البلاد، الذي أدى إلى الرخاء والتطور. فبدأ العالم يتجه إلى دولة الكويت ليستفيد من خيراتها، كما توافد إليها الهنود أيضًا، وأسهموا في تنميتها وازدهارها من شتى النواحي. والآن يشكّل الهنود المقيمون فيها أكبر جالية وافدة وسط الأجانب، إذ يبلغ عددها مليون نسمة. وفي السنوات الأخيرة اشتهر الأطباء والمسعفون الهنود العاملون في الكويت بخبراتهم في مختلف المجالات الطبية. ويوجد في الكويت حوالي ألفي طبيب هندي وحوالي خمسة وعشرين ألف ممرض هندي.

اقرأ أيضًا: منتدى الأطباء الهنود في الكويت يحتفل بالذكرى العشرين المجيدة

ويرجع فضل هذه العلاقات الثنائية الوطيدة إلى تبادل البرامج الثقافية والتعليمية أيضًا. ويتوجه كل عام عدد من الشباب الكويتيين إلى الهند للتعليم العالي في مختلف المعاهد التعليمية. فنظرًا إلى أهمية العلاقات الثقافية، دخلت الدولتان في اتفاقيات في مجالات الثقافة والتعليم والتربية، فتم توقيع أول اتفاقية في مجال الثقافة عام 1970م. وتوجد الآن ست وعشرون مدرسة في الكويت تتبع مناهج المدارس الهندية ويدرس فيها حوالي ستون ألف طالب بمن فيهم الهنود والعرب والمغتربون من جنوب آسيا. ووفقًا للمعلومات المتاحة، لا يوجد الكثير من الطلاب الهنود الذين يتابعون تعليمهم العالي في الكويت.

اقرأ أيضًا: مهرجان المانجو السنوي في الكويت يضمّ أكثر من 20 نوعًا من المانجو من الهند

وفي الوقت الحاضر، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين الهند والكويت نحو 13.8 مليار دولار في العام المالي 2022-2023م، مما يعكس اتجاهًا تصاعديًا مستمرًا خلال العقد الماضي. وتصدّر الهند إلى الكويت بالخصوص قطع غيار الطائرات والحبوب والمواد الكيميائية العضوية والسيارات والآلات الكهربائية... كما تستورد الهند من الكويت النفط ومنتجاته والكبريت... ولقطاع التجارة والصناعة الهندي مشاركات كبيرة في عديد من المشروعات داخل الكويت، حيث تعمل الشركات الهندية بالتعاون مع الشركات الكويتية في تنفيذ الكثير من المشروعات المتعلقة بصناعات البتروكيماوية وأعمال التكرير والاتصالات. وفي السنوات الأخيرة استثمرت الشركات الكويتية في مشروعات مثل الطرق والطاقة. فقدّم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للهند قروضًا قدرها مليار دولار لثمانية مشروعات في عدد من قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة وصيد الأسماك.

اقرأ أيضًا: الهند والكويت توقِّعان مذكرة تفاهم لتبادل المعلومات

ومما يزيد أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين هو وصف الحكومة الهندية دولة الكويت بأحد أهم الشركاء وبصديق حميم بالنسبة إلى الهند. وتكتسب الهند أهميةً كبيرة من الناحية السياسية لأنها تظهر كقوة ذات نفوذ في المنطقة وبإمكانها استخدام نفوذها في الحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة، إذ تؤيد الهند دائمًا ترويج الأمن والسلام وإقامة العلاقات الودّية مع دول الخليج العربي ولا سيما دولة الكويت التي ترتبط الهند معها ارتباطًا قويًا فيما يخص سد متطلبات الطاقة والعناية برفاهية المواطنين الهنود المقيمين في المنطقة الخليجية.

اقرا أيضًا: سفير الهند لدى الكويت: أساس العلاقات الهندية الكويتية يكمن في التجارة والاقتصاد

فإن العلاقات التاريخية بين الهند والكويت تزدهر في جميع المجالات في السنوات الأخيرة وتتزايد أهمية هذه العلاقات حيث  تتعاون الدولتان في القضايا ذات الاهتمام المشترك لحماية وتعزيز الصداقة والتعاون. وتعرف كل من الهند والكويت أن توسيع العلاقات الثنائية وتعميق الصداقة في العصر الحاضر سيساهم في ترسيخ الصلات والعلاقات الطيبة وتشجيع تبادل الاحترام والتفاهم الجيد بين الدولتين، والذي سيؤدي إلى مزيد من رخاء البلدَين وازدهارهما.

أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي